أرض السلام – بقلم أنوار بازهير
إن انتقاد العادات القبلية واختلافاتها، وصراع الطبقات الثلاث قد يضعك في دائرة محفوفة بالمخاطر، والتي من محيطها يتعرض المنتقد للأذى. ولكن نعلم جيداً بأن وجود الفوارق في الكون هو ضرورة وُجدت لسببٍ ما منذ بداية الخلق إلى اليوم؛ كوجود الفوارق بين الملائكة، والبشر، والجن، وقياساً على ذلك فإن التفاوت الطبقي هو أيضاً ضرورة اجتماعية في أي كيان.
فتحت مظلة سياسة التعايش وتقبل اختلافات الآخرين يتأرجح قرار مستقبل المجتمعات الذي يقف على مبدأ وحدة الصف، وتوحيد الكلمة بين بنيان مرصوص وساس مهدود.
فوحدة الصف قد تعاني من خلخلة التفكك، والترابط المجتمعي؛ بسبب الصراعات الطبقية والعنصرية بين أفراد المجتمع الواحد. فإن كنت شخصاً يعيش في مجتمع قبليٍّ مثلي فستعي جيداً ما أقول، وإن كنت من الذين عاصروا في حياتهم العيش في عدة دول، وصارعوا تحدياتهم المجتمعية فستبرىء ذمة جميع المعتقدين من اعتقاداتهم.
أحياناً تأتي التحديات الحياتية على هيئة عاملٍ اقتصادي مادي أو قبلي يصنف المستويات، ويحدد تفاصيلها الطبقية في أي مجتمع. والذي منه تنشأ قضايا، وتوترات مجتمعية عديدة تحارب فيها كل طبقة أو قبيلة من أجل وضعها ومكانتها الاقتصادية والاجتماعية فيما يسمى بـ “صراع الطبقات أوالقبائل، والتمييز الطبقي أوالقبلي”. فلذلك غابت الوحدة إلى حد ما في بعض المجتمعات، وفُقدت سياسة التضامن والتكافل، وشُكّلت عدة تكتلات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وتفشت ظاهرة التباين الطبقي وأتبعها الصراع القبلي؛ ليستغل أعداء المنطقة هذا التفكك والخلل بإشعال الحروب والفتن.
فليس من الغريب أبداً أن تسمع الحديث الدارج بلغة السلاح، وأن ترى بعضاً من خلق الله يتبخترون في أرضه بعنجهية وتعنت بما يملكون من قوة تحميهم تحت سيادة القبيلة التي تغفر لهم خطاياهم المذرعة تحت مظلة العاهات والتعاقيد.
فهنا تقلص الاختلافات داخل أفراد الطبقة والقبيلة الواحدة، وتشتد وتُعظم الفروق بين الأخريات لتكون كل طبقة أو قبيلة مستقلة بسيادتها وفارقة بحد ذاتها. فلذلك ما زالت فكرة الطبقية والقبلية تحاول أن تحتفظ بأسلوب حياة أفرادها لتنتقل القوة، والمراكز، والسلطات كالوراثة؛ حتى أصبحت فعلاً “تطور جامح لنظام شديد التحصين”.
إن تَشكل الطبقات الاجتماعية يعود إلى أمور عديدة تتعلق بما يتمتع به الفرد من صفات وخصائص اجتماعية تحدد موقعه في هرمية المجتمع؛ ولهذا قال أغلب المفكرين بإن مفهوم صراع الطبقات يعد مضللاً لأنه في حقيقة الأمر يخفي أشكالاً أخرى من الصراعات. ويرى ماركس صاحب النظرية الطبقية الماركسية “Marxism” بأن الصراعات ستتوقف في وقت ما؛ وذلك حينما تكون الطبقة المُسيطرة هي الطبقة المتوسطة، وقتها فقط يرى بأنها ستُلغى جميع طبقات المجتمع مما سيؤدي إلي مجتمع بلا طبقات بمعنى “مساواة اجتماعية”.
ولكن الحقيقة تظل هي أن التنوع الثقافي، والطبقي، والقبلي ما زال يعاني بشكل أساسي من تحديات المجتمع النائشة بسبب عدم استعدادهم لفكرة محاربة التمييز العنصري والطبقي والقبلي، وخسران فضائل مكانتهم المجتمعية.
إننا لا نهاجم فكرة خلق الله للناس طبقات متفاوتة، فبالتأكيد على ذلك قال تعالى: “وجعلناكم شُعوبَاً وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا” لتعارفوا لا للتناحروا، ولا ليسطوا بعضكم على بعض، ولتتقوا الله فيكم، ولتكرموا بعضكم البعض.
فمن هذا المنطلق يجب ألا ندع أي ثغرة للأفكار التي تشجع على التمييز والطبقية، والتي أبدعها المجتمع ذاته بدعم من الموروث الشعبي لتلك الجماعات، تقف حاجزاً على تقبل التنوعات الثقافية، والطبقية، والقبلية كما هي بإيجابية، وبكل حيادية مطلقة، وبما أحل الله لا بما فرضه علينا بعض خلقه.
فأعتقد بأنه قد حان آوان كسر حاجز سطوة الأعراف على فكرة تقبل الاختلافات، ومحاربة العنصرية العمياء، وأن نرى حلم ماركس في “وجود مساواة مجتمعية بدون أي طبقات” قد أصبح واقعاً ولكن دون إلغاء لها، ودون سيطرة أحد على آخر؛ وإنما بمواجهة تحديات الفوارق الطبقية، وتقبل الاختلافات القبلية كما هي دون أي إقصاءٍ أو تهميش.